عباس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى!! ففرح المشركون بذلك ، وقالوا : قد ذكر آلهتنا ، فجاء جبرئيل فقال : اقرأ عليّ ما جئتك به فقرأ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى!! فقال : ما أتيتك بهذا ، هذا من الشيطان فأنزل الله : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ) الآية. (١)
فهل يريد فضل الله هذا التفسير ولا تفسيره غيره في المرويات الحديثية وفق تفسيره بدخول القاء الشيطان في أعماق الداخل؟!
في الوقت الذي ابتعد فيه حديث أهل البيت عليهمالسلام عن مثل هذا السخف في نسبة الالقاءات الشيطانية على داخل الذات بحيث ترى الشيطان هو من يقود الرسول بأبي وأمي! ويقول أمير المؤمنين عليهالسلام في جوابه لبعض المشككين في مثل هذه الآيات ودلالاتها وهو يبرز أحد أوجه التفسير لهذه الآية الشريفة : انه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانية من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الاقامة ، إلاّ ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه ، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ، ويحكم الله آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ، ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال : (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً). (٢)
وفي هذا الحديث بليغ عظة وعبرة لمن مال بهواه ليفسّر القرآن بما
____________________
(١) الدر المنثور ٣٦٦ : ٤ ، وكان الضياء المقدسي قد ذكرها في الأحاديث المختارة ٨٩ : ١٠ و ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، والطبراني في المعجم الكبير ٣٥ : ٩ ، ٥٣ : ١٢ ، وذكرها كثير غيرهم.
(٢) الاحتجاج : ٢٥٧ والآية في سورة الفرقان : ٤٤.