وفي موضع آخر قال : ما هو المانع من اختيار الله بعض عباده ليكونوا معصومين باعتبار حاجة الناس إليهم في ذلك ، وما هي المشكلة في ذلك انطلاقاً من مصلحة عباده ، وإذا كان هناك اشكال من ناحية اسحقاقهم الثواب على أعمالهم إذا لم تكن اختيارية لهم ، فإن الجواب عليه هو أن الثواب إذا كان بالتفضّل في جعل الحق للإنسان به على الطاعة لا بالاستحقاق الذاتي ، فلماذا لا يكون التفضل بشكل مباشر إذ لا قبح في الثواب على ما لا يكون بالاختيار ، بل القبح في العقاب على غير المقدور. (١)
وقال : إننا نتساءل انه إذا كانت المعصية تنطلق من حالة اختيارية ذاتية فكيف يمكن أن يكون معصوماً وهو في بداية الطفولة؟
واستعان بعد ذلك بمن يقول في تبرير هذا النمط من العلم بأن الله قد أعطاه مرتبة من العلم توجهه في درء المعاصي ، فيعمد فضل الله للمشابهة بين ذلك لينتهي إلى القول : أي فرق بين الحتمية حينما تكون بشكل مباشر أو تكون بواسطة بأن يعطيه الله شيئاً لم يعطه لغيره مما يمنعه من المعصية. (٢)
ونقاش هذه الأفكار يستلزم تفكيكها ، فبحث جبرية العصمة يختلف عن مبحث طبيعة الاستحقاق ولوازمه ، وعن مبحث العصمة في زمن الطفولة ، وإن تعلق الجميع من وجه بمبحث العدل الإلهي ، ومبحث جبرية العصمة نناقشه مرة بطبيعة توافقه مع الدليل القرآني ، وأخرى في ضوء الأحكام العقلية ، وسنجد أن الطريق أمام نفاذه من كلا الطريقين مغلق تماماً ، ففي ضوء القرآن نجد في البداية أن لا دليل في الآيات القرآنية يدلّ على هذه الجبرية ، بل العكس هو الصحيح ، إذ ان جملة الأوامر القرآنية للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
____________________
(١) مع الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد ؛ مجلة الفكر الجديد ؛ العدد التاسع ص ٦٢.
(٢) فقه الحياة : ٢٧٣ ، وفي رحاب أهل البيت : ٤٠٩.