ولبقية الأنبياء عليهمالسلام تثبت خيار الارادة لديهم ، فقوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (١) في الوقت الذي يثبت فيه عدم تغلغل أي نمط من انماط الشرك إلى المرسلين الذين يوحى إليهم ، فهو يحمل دلالة واضحة على وجود الخيار الارادي في سلوكياتهم ، وإلا لما كان في الكلام معنىً ، فالمجبر لا يقال له لا تفعل ، ولا يهدد على فعل أمر ما ، إلا مع وجود حالة الاختيار التي تبيح له امكانية عصيان الأمر ، فالآية الشريفة في الوقت الذي تبرز نتائج الاشراك الوخيمة ، فهي تتحدّث في نفس الوقت عن الامكانية الفعلية للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والذين من قبله عليهمالسلام ، لو أرادوا أن يشركوا ، إذ مع انتفاء هذه الامكانية ينتفي معنى الحديث عن هذه النتائج ، فلو أوثقنا إنساناً ما في حبال ، وربطناه وهو موثّق بوتد حديدي مثبت في أرض ضخرية بشكل لا يمكن معه من الحركة والفعل ، فهل سيبقى من معنىً لكلامنا له بأنه لو تحرك من مكانه فسينال العقاب الكذائي؟!.
وقوله سبحانه وتعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٢) هو الآخر مع اثباته عدم تقوّل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بمثل هذه الأقاويل ، فإنه يبرز خيار الاختيار الارادي عنده ، فأي معنىً لمن ربط على لسانه أن يهدد بعدم التقوّل ، وإلا لفعل به الأفاعيل؟!
وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٣) هو الآخر يبرز نفس هذه الدلالة ، فلولا امكانية عدم الفعل ، لما قيل له افعل ، ولولا قدرته الارادية على التخلي عن التبليغ وكتمانه لما أنذر الانذار الذي حملته الآية الشريفة.
____________________
(١) الزمر : ٣٩.
(٢) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦.
(٣) المائدة : ٦٧.