دلالة فيها على ما يدّعيه ، فمع تأكيدنا على عصمة المعصوم عليهالسلام منذ ولادته ، إلاّ ان ذلك لا يعني وجود تعامل آخر لله معه بعيداً عن طبيعة مؤهلاته الذاتية كما أشرنا إلى ذلك من قبل (١) ، فإن هذا التعامل يفرض عدم العدالة الإلهية سواء قلنا ان الله أعطاه مرتبة من العلم أو أوجد فيه ما يجبره على عدم المعصية ، فبمعزل عن طبيعة هذه المؤهلات يكون كلا الحديثين في البطلان سواء ، فهو كما هو واضح يعيدنا إلى عدم الحكمة الإلهية في ترجيحها بلا مرجحات ، ويقدح بالعدالة الإلهية لجزافية إرادتها في هذا الحال.
وكيفما يكن فالحديث عن جبرية العصمة هو حديث بعض العامة الذين يستندون إلى القصة الموضوعة في شأن شق صدر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في بداية طفولته ، وتعليق عصمته على قطعة من جوفه متى ما اقتلعت انقطع عنه الشيطان ، وهذا إلى الخرافة العلمية أقرب منه إلى أي شيء آخر ، أما حديث أهل البيت عليهمالسلام فكثير الحديث عن اختيار المعصوم (صلوات الله عليه) في أفعاله وتروكه ، فَلْيَرَ القارىء فضل الله من أي معين قد أخذ فكرته ، ومن أي منهل انتهل؟!
ولو أغمضنا الطرف عن كل ذلك ، وقلنا بأن المعصوم مجبر في أفعاله وتروكه ، فأي معنىً يمكننا فهمه من حديث فضل الله الكثير جداً ، عن خطأ الأنبياء والأئمة وامكانية وقوعهم في ذلك ، فمن أجبر على ترك المعصية من قبل الله كيف سيرتكبها اذن؟ فهل يريد القول ان المعصوم سيستغفل الله ويتسلل بعيداً عن ارادته المجبرة ليمارس خطيئته؟!! اللهمّ غفرانك يا رب الأرباب فلقد ساء الزمان بنا كثيراً حتى بتنا نسمع من يسيء إلى ساحة قدسك وجلالك وإلى أشرف مخلوقاتك بمثل هذه الأفكار!!
____________________
(١) انظر مبحث : زمن العصمة وبدايتها في الفصل الثاني من الكتاب.