واختيارهم تناقضاً ، وانتهى المجتهدون إلى القول تحت تأثر معتزلي إلى أن العصمة هي أمر يوجده الله للإمام لطفاً منه ، فيهديه إلى الطاعة ، فلا يقدم على المعصية.
ثم قال : ولقد حاول الشيعة الاثنا عشرية تخريج قول علي زين العابدين في المعصوم بأنه : هو من اعتصم بحبل الله المتين أي القرآن ، فلا يفترق الإمام عن القرآن إلى يوم القيامة ، فالإمام يهدي الناس إلى القرآن ، يهديهم إلى الإمام لقوله تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (١) يفسّره المجلسي بأن تفسير العصمة بالاعتصام بحبل الله ـ إما باعتبار أن الله يعصم الأئمة من الذنوب بسبب اعتصامهم بالقرآن ، أو بأن المراد بأن الله عصمه بالقرآن فيعمل بماء جاء به ويعرف معانيه ، ولكن هل هذه العصمة ـ بهذا المعنى ـ مقصور على الإمام ، أم أنها في متناول كل قرآني اعتصم بالقرآن؟ (٢)
وقد خلط في هذا القول بين أوراق الشيعة وغيرهم ، ولهذا فإن بتعميم نسبة قوله إلى المجتهدين من الشيعة فيه تحكم ظاهر ، ولعل كلامه وتقسيمه هذا هو صدىً لكلام الفخر الرازي في «المحصّل» (٣) ، وأيّاً كان فمن الواضح أن لا أحد من الشيعة من يقول بجبرية المعصوم في حال المعاصي أو غيرها ، والنصوص الإمامية في شأن قبح الجبر بالنسبة للناس العاديين وتنافيه مع العدل الإلهي متواترة فكيف مع الأئمة المعصومين؟ وقد تقدّم الكلام فيه ، فليراجع.
أما حديثه عن التسلسل المنطقي لمقام العصمة في الفكر الشيعي ، فهو صحيح إن كان يقصد البنية الفكرية وذلك لوحدة سياق المفردات الفكرية
____________________
(١) الاسراء : ٩.
(٢) نشأة الفكر الفلسفي ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(٣) محصّل أفكار المتقدمين والمتأخرين : ٢١٨.