وكان من تداعيات هذه السياسة التي استمرت حتى عهد عمر بن عبد العزيز أن انتشر الكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيما كانت ميزانية الدولة تنفق طائلاً من المال لإجراء هذه السياسة ، فهذا سمرة بن جندب وهو من رجال الصحاح الستة والذي يقول ابن سيرين في حقه إنه كان عظيم الأمانة صدوق الحديث يحب الإسلام وأهله يتحدّث عنه ابن أبي الحديد أن معاوية قد بذل له : مائة ألف درهم حتى يروي ان هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) (١) فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل وروى ذلك. (٢) وقد استخلفه معاوية إثر ذلك على البصرة خلفاً لزياد بن أبيه ، بعد أن كان هذا الآخر يستخلفه عليها في حال غيابه. (٣)
وحين انتهى المنع من التدوين وأذنت الدولة بالرواية وتدوينها ، كانت المستندات الوثائقية لحديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نزلت وحلّ محلّها ذاكرة رواة يعملون في اطار الدولة ويروّجون لها ، وقد جاء حكم بني العباس إثر القضاء على الحكم الأموي ، وأتم القوم منهج بني أمية في شأن الحديث ، وأسسوا ما سمي بعد ذلك بالمذاهب الأربعة ، وكان عمل هذه المذاهب عسيراً ، مع وجود الاختلاف الكبير في ما يرويه القوم من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحابته ، وكان بنو العباس في حرج شديد وهم يرون في بعض هذه الأحاديث إحراجاً كبيراً لشرعية وجودهم في نفس الوقت الذي كانت توميء إيماءات واضحة المعالم لمصلحة خصومهم ، ولهذا ومع تعاظم وطأه مدرسة
____________________
(١) البقرة ٢٠٤ ـ ٢٠٥.
(٢) شرح النهج ٤ : ٧٣.
(٣) تهذيب التهذيب ٤ : ٢٠٧ رقم ٤١١.