في هذا المعين بالذات نشأ محمد بن اسماعيل بن بردزبه البخاري (١٩٤ ـ ٢٥٦ هـ) وفي أحضانه ترعرع وأخرج كتابه المسمى بالصحيح ، وكان تأليف الكتاب عملاً بتوجيه مباشر من سياسة المتوكل الذي كان قد اتخذ سياسة تأليف كتب الحديث الرسمية ليحقق الغرض الذي وضعه نصب عينيه ، وهو اعلاء شأن عقيدة النصب لأهل البيت ، والرد على الخصوم السياسيين ، واضفاء الشرعية الدينية على سياسته ، واستماله العامة التي ترتاح لأحاديث القصاصين والحشويين بعد انكسار شوكة مدرسة أبي حنيفة المناهضة للحديث ، ووفق هذه السياسة أشخص في سنة أربع وثلاثين ومئتين الفقهاء والمحدّثين ـ كما يقول ابراهيم بن نفطويه ـ : فكان فيهم مصعب بن عبد الله الزبيري ، واسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، و ، ابو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ـ وكانا من الحفاظ ـ ، فقسّمت بينهم الجوائز ، وأمرهم المتوكل أن يحدّثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية قال : فجلس عثمان في مدينة المنصور واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً ، وجلس أبو بكر في مسجد الرصافة وكان أشد تقدماً من أخيه اجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً. (١)
وقد أجمع المؤرخون على تأكيد الحديث عن سياسة المتوكل في توجيهه لاتهاجات حديث الرواة فطالبهم بالزجر عن القول بخلق القرآن ، وطالبهم برواية أحاديث الرؤية والصفات وهي أحاديث التجسيم الإلهي ، فضلاً عن مواجهة التشيع والمعتزلة ونظرائهم ممن كان في صف المعارضة
____________________
(١) سير أعلام النبلاء ١١ : ١٢٥ ، تاريخ بغداد ١٠ : ٦٧ رقم ٥١٨٥ ، المنتظم ١١ : ٢٠٧.
أقول : ليس من الغريب أن ترى ابن أبي شيبة هذا يروي أول حديث له في مسجد الرصافة في فضل العباس ، فلقد روى الخطيب البغدادي ان أول حديث حدّث به أبو بكر بن أبي شيبة : احفظوني في العباس ، فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه. تاريخ بغداد ١٠ : ٦٨.