مخلوقات نورانية ، وليست مادية فتوصف لأوصاف المادة ، وهي وإن تمثّلت بعض الأحيان بتمثّلات بشرية إلا إن هذه التمثّلات لا تعكس جسمانيتها لتفقأ عينها أو لتصك وجوهها ، ولو قدّر إمكانية أن تتمثّل بشرياً فما لها لم تعد لحالتها الأولى وهي في محضر الجلالة إذ يعيد إلى ملك الموت ما ذهب من عينه.
وهي على أي حال تعرّض بعصمة رسول وصف بأنه كليم الله ، إذ يفترض أن الأنبياء إنما يسعدون في محضر ربهم وفي الاستجابة لأوامره ، وقد برهن موسى عليهالسلام من خلال حديث شيخ المضيرة هذا على عدم رغبته بلقاء ربه وجنته وحواريه وتخلّصه من أوزار الدنيا وعوارضها الزائلة وحسب ، بل تمرّده على ربه.
ولم تكتف بما صدر من ظلم من قبل موسى عليهالسلام بحق رسول ربه فحسب ، بل وأظهرت مليك السماء يابل الظلم بالإنعام والمكافأة ، فيمنح موسى عمراً جديداً ، ويحقق له رغبته حينما يستجيب لرغبته!!
روى البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض ، وكان موسى يغتسل وحده ، فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه ، فخرج موسى في إثره يقول : ثوبي ياحجر! ثوبي يا حجر! حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً ، فقال أبو هريرة : والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر. (١)
وإنك في حديث أبي هريرة هذا تحار مع الرب الذي أمر بالستر ، فلم
____________________
(١) البخاري ١ : ٧٣ (كتاب الغسل) من باب اغتسل عرياناً ، و ٤ : ١٢٩ ـ ١٣٠ (كتاب بدء الخلق) باب بلا عنوان.