بمعزل عن هذا النص محض ظنون لا تقوم على دليل موضوعي ، ولو ساءلنا القرآن الكريم عن حقيقة هذه المزاعم ، فسنجد أن القرآن يعالج الأمر على أكثر من صعيد ، فمرة تجده وهو يتحدّث عن أن شخصية المعصوم الذاتية هي معادل تام لشخصيته الرسالية كما نلحظ ذلك في قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ) (١) ولا يوجد في متون الآية الكريمة ولا غيرها من الآيات ما يخرج شيئاً من هذا الحصر الذي تدلّنا عليه أداة (إلَّا) ، بالشكل الذي يبقي شخصية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم متمحّضة في الرسالة ليس إلا.
وأخرى ستجده يقدّم الرسالة بصورتها الكاملة والتامة وهي معنية كل العناية بالوصول بمراميها وغاياتها إلى الأعماق الغائرة للذات الإنسانية ، بل إنه يطرح المتطلّب البشري للكمال وهو يستهدف الوصول بهذه الرسالة إلى أعماق هذه الذات ، ففي قوله سبحانه وتعالى : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢) فالطموح البشري المعبّر عنه في هذه الآية الكريمة لا يتوقف عند حد التعرّف على أحكام الحلال والحرام ومسائل الاعتقادات وسائر الأمور الفكرية التي ينطوي عليها اسم الكتاب ، والذي يظهر في قوله سبحانه وتعالى : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) فحسب بل نرى أن متطلّب الحكمة وتزكية النفس هو أمر أوسع من أن يتوقف عند تلك الأحكام ، فلو تأمّلناه بدقة لوجدناه يصلح للتفاعل مع كل مساحة الذات بكل ما حوت وضمت.
ولهذا كان بعث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بعنوانه تالياً لآيات الكتاب ومعلماً له وللحكمة ومزكّياً للنفوس ، مورداً جدياً من موارد المنّة الإلهية على البشرية وفق ما عبّرت عنه الآية الكريمة : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ
____________________
(١) آل عمران : ١٤٤.
(٢) البقرة : ١٢٩.