أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) (١) وكيف لا يكون بهذه الجدية وهو المخلّص لهم من غياهب الضلال المبين والمنقذ من ظلماته ، ولقد جاءت بعثة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بمثابة التجسيد البشري لهذا العطاء الإلهي كما قال جلّ من قائل : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) (٢) حيث تتداخل الرسالة مع الذات بصورة كاملة فيكون العلم الإلهي المتاح فيها وسيلة لتزكية النفوس ، ومناراً للحكمة تهتدي بها في مسالك الحياة الشائكة ومفاوزها الباثرة (٣) وعثراتها الغائرة.
وهكذا يتعرّى الكلام عن وجود اثنينية في شخصية المعصوم عليهالسلام عن الصحة ، ويخالفها الواقع الموضوعي لطبيعة الرسالة والواقع الشخصي لطبيعة المرسَل كما يدلّنا عليه الحديث الإلهي عنه ، وأن ما ذهبت إليه الأفكار المنحرفة لتشويه مسار العصمة وكل ما يرتبط بهذا الحديث ليس بأكثر من افتراءات لا قيمة لها على الصعيد العلمي ، أو انها تأتي لتعبّر عن جهالات تحكم على عقلية أصحابها.
وقبل أن نطوي هذه الصفحات لنرى كيف تتحرك العصمة في النص المعصوم ، لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن الاستدلال الذي قمنا به هنا لا يتعلق بمبحث العصمة فحسب ، بل له أهمية قصوى في مبحث علم المعصوم عليهالسلام حين يتحدّث هؤلاء أيضاً عن الفصل بين العلم الرسالي والموضوع الخارجي ، فيجعلون من الرسول الأعظم عالماً في رسالته ، مجرداً عن الخصوصية العلمية في خارجها ، ضمن حديث طويل استوعبناه بالتفصيل
____________________
(١) آل عمران : ١٦٤.
(٢) الجمعة : ٢.
(٣) أي البارزة.