الطبيعية والسوية لسلوك الإنسان فسنجد أن ثمة قوة تدفع بهذا الإنسان نحو أن ينشد كمالاً ما ، وغالباً ما نجد قرارات الفعل وموانعه تتبع هذه القوة وتتأثر بها ، وهذه القول هي ما يسميها الله سبحانه وتعالى بالفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (١) ووفق نقاوة هذه الفطرة تتلون حركة معيارية بواعث الإرادة في الفعل الإنساني ، فقد يتصرف الإنسان تصرفاً خاطئاً فيحكم بنفسه على هذا التصرف بالخطأ أو الذنب ، وذلك بسبب أن المعيارية المناقبية في فطرته تناقضت مع ما نحت ارادته إليه ، وذلك ضمن تفصيل لا مجال له في هذا البحث ، (٢) وما يهمنا هنا هو القول بأن نقاوة هذه الفطرة وعدمها هي التي تشكّل صيغ إمتناعات الإنسان عن أمور وإقدامه على أخرى ، وبحثنا هنا سيتركز على تحليل ذلك لنفهم كيف تتشكّل العصمة في سلوك الإنسان.
ومن أجل فهم تشكّل العصمة في فعل الإنسان ، علينا أن نفهم حركة الفعل في شخصية الإنسان ، فهذا الإنسان ـ أي إنسان ـ جبل محتواه الداخلي على وجود نقيضين متصارعين وفق ما بيّنته الآية الكريمة : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) وهذان النقيضان يمثلان استعداداً ذاتياً وقوة كامنة في داخل كل نفس ، إذ يجرّ الفجور بهذه النفس نحو التسافل العقلي ، (٣) فيما تدفع التقوى بها نحو السمو والرقي (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا). (٤) والصراع بين هذا التسافل وذلك التسامي والاتقاء هو
____________________
(١) الروم : ٣٠.
(٢) تحدّثنا بنوع من التفصيل عن ذلك في كتابنا الذي نعدّه حالياً عن الميثاق الإلهي.
(٣) لا نقصد بالعقل في هذا المبحث هو الحالة الذهنية للإنسان ، بل هو مجموع ما يسميه الفلاسفة بالعقلين النظري والعملي ، وصورته المتكاملة التي يعبر عنها حديث جنود العقل والجهل المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ونصه في كتاب الكافي ٢٠ : ١ ـ ٢٣ ح ١٤.
(٤) الشمس : ٧ ـ ١٠.