النور ، فهذا هو من سيحجب الرؤية عن بصيرته ، وهو من سيورد العمى عليها.
ولو دققنا في شأن العصمة وفق هذه المعطيات ، فإن أي مجال للوقوع في الخطأ والإثم عند المعصوم المزوّد بهذا النور يصبح مستحيلاً ، فلقد زوّد بعلم يجعله محيطاً بحقائق الامور ، وعملية التزويد هذه تمت بناء على مؤهلاته الذاتية ومن جملتها تنقيته لذاته مما يشوب علقة الاخلاص لله سبحانه وتعالى ، وهذه التنقية إنما تمت بسبب تمتعه بإرادة صلبة أهّلته لمقام العصمة ، بل أهلته لأن ينال مقاماً أعلى بكثير من مقام العصمة ، ألا وهو مقام الإمامة ، وفق ما بيّنته الآية الكريمة : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (١) مما تجعله يتحرى الموقف الصحيح المنسجم مع متطلبات العبودية لله.
ولو أردنا أن نتلمس الصورة التكاملية لذلك كله في الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي يقدمه القرآن بعنوانه النموذج الأكمل للمتقين ، فلقد رأى من آياته ربه الكبرى ، حين دنا فتدلى ، وهناك أحاط بعلوم يقينية لم يسبقه إليها أحد من الخلق ، وحظي بامتيازات لم يخظ بها أحد غيره ، حتى جعل مؤتمناً على النور الإلهي كما نلحظ في الآية الكريمة : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) وما كان ذلك إلا بسبب ملكاته الذاتية ، فما السبب الذي يجعله يتخلى عن هذا الموقع العظيم ليسير في المسارات المناقضة للعصمة؟!
____________________
(١) السجدة : ٢٤.
(٢) الأعراف : ١٥٧.