أولاً : العصمة وضرورات الهداية الربانية
خلق الله المكلّف بمهمة محددة هي عبادته جلّ وعلا ، وذلك وفقاً لما أشار إليه قوله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (١) ، وهذا التكليف المجهّز بخيار الاختيار الإرادي ، حيث لا يمكن تعقّل وجود التكليف من دون هذا الخيار ، قد وضع على مفترق طريقين لا ثالث لهما : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٢) وطريقا الشكر أو الكفر هما فيالواقع نتاج تركيبة محتواه الخَلْقي ، المعبّر عنه تارة عن خليط الروح الإلهية مع عنصر التكوين الآخر كالطين في حال البشر ، والنار في حال الجن ، وأخرى باعتبار ان نفسه قد ألهمت بخيارين متناقضين هما خيار التقوى أو الفجور (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (٣)
والسؤال الذي يطرح تلقائياً يتعلّق بالكيفية التي سيقطع بها هذا المكلّف طريق التكليف كي يحقق الغاية الربانية؟ لا سيّما وأن عالم التكليف لا يجري في ساحة نائية عن المعوّقات التي تعترض هذه المهمة ، بل يطرح القرآن خمسة معوّقات أساسية يمكن لها أن تصدّ المكلّف عن القيام بما طلب منه ، وهذه المعوّقات نلخّصها بالتالي :
١ ـ الجهل : وهو عنصر يمكن أي يطيح بأكبر المشاريع الإنسانية ، وهو بالتالي سيكون عنصراً مضاداً وبشكل فاعل العملية (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ
____________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) الإنسان : ٣.
(٣) الشمس : ٧ ـ ٨.