تكامل الرحمة التي وعدت بها عملية الهداية الربانية كما توضح الآية الكريمة : (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (١) ، كما يلزم أن يكونوا في موضع الأسوة والقدوة لبقية المكلّفين (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢).
وطالما أن هذه الطاعة واجبة على المكلّف ، وأن التأسّي بهم واجب ، فإن ذلك يستلزم الأمور التالية كحقوق طبيعية لهذا المكلّف تفرضها طبيعة الحجة الإلهية البالغة :
١ ـ صدق المرسلين وصوابهم الكامل في ما يبلّغونه عن الله تعالى ، وذلك لأنهم لو لم يكونوا واجبي الصدق ، لكان ما يبلّغونه عن الله إما صدقاً وصواباً ؛ وإما كذباً وخطأً ، فإن كان صادقاً ومصيباً فبه ، وإن كانت الثانية فكأن الله لم يلتزم بما ألزم نفسه فيه ، فلقد التزم بعدم محاسبة الخلق حتى يبعث لهم رسولاً ، فإذا كان هذا الرسول كاذباً أو أبلغهم بالخطأ فكأنه لم يرسل إليهم رسولاً.
كما ان كونهم ملزمين بطاعة المرسل من خلال طاعة رسوله ، فإن أطاعوه في صدقه وصوابه فقد أطاعوا الله ، ولكنه إن أخطأ أو كذب فيكون التكليف عندئذ متوجّهاً إليهم بأمرين متناقضين فالخلق مجبر على طاعته ومخالفته في آن واحد ، مجبر في طاعته كونه رسولاً ، وفي مخالفته كونه كاذباً أو مخطئاً.
فإن قيل : ليس لهم ذنب في طاعته لأنهم لا يعلمون بخطئه ، قلنا : فكأن الله لم يرسل رسالته عندئذ ، لأن مقتضيات الحجة الربانية أن تكون واضحة وبيّنة حتى تكون تامة وبالغة.
____________________
(١) النور : ٥٤.
(٢) الممتحنة : ٦.