تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (١) كان قد ميّز هؤلاء الراسخين في طبيعة وحجم ما علموا عن الذين في قلوبهم زيغ ، حيث نجد أن تأمّلاً بسيطاً في دلالة الرسوخ على تأويل الكتاب تجعل علمهم كمال كلّه ، ولازم هذا الكمال أن يكون هذا العلم بالغاً لكل ما في الكتاب أو أكثر منه ، لأن : افتراض أن يكون العلم دون ذلك يفضي إلى أن إبلاغ الحجة الإلهية سيكون ناقصاً لعلم المبلّغ بها ، وهذا ما يتنافي مع مبدأ الحجة البالغة. (٢)
بينما يمكننا ملاحظة أن زيغ القلوب يؤدي أولاً إلى إمكانية تلاعب الشيطان أو أن يكون هذا القلب أسيراً لأهواء النفس به ثانياً ، كما أشار إلى ذلك القرآن نفسه بقوله : (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (٣) مما يجعلهم غير مؤهلين للنوء بعملية التبليغ الرسالية ، ولا يمكنهم أن يصلوا إلى حقائق علم هذا الكتاب.
فعلى سبيل المثال نرى ان في هذا الكتاب : إمكانات هي في أدنى
____________________
(١) آل عمران : ٧.
أقول : وما يجدر ذكره هنا إن أهل العامة حين لاحظوا طبيعة دلالات الآية الكريمة وخطورتها قاموا بوضع ميم الوقف اللازم على لفظ الجلالة قبل كلمة «الراسخون» ليوهموا بأن جملة «الراسخون في العلم» هي جملة جديدة ، وان الكلام قد انتهى بلفظ الجلالة ، وهي محاولة مفضوحة لأنها تسيء إلى نفس النص ، فما فائدة قرآن لا يعلم تأويله أحد إلاّ الله؟! فتأمل.
(٢) الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس : ١٢٥ جلال الدين علي الصغير ؛ دار الأعراف للدراسات ـ بيروت ١٩٩٩ ط ١.
(٣) الحج : ٥٣.