حدودها الطبيعة فوق ما يسمى بعالم الطبيعة كما في قوله جلّ من قائل : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (١) أو في قوله تعالى اسمه : (لَوْ أَنْزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢) ، أو قوله : (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٣) وهذه الإمكانات لا يحيط به العلم العادي ، فألفاظ القرآن لا تدلّنا على الكيفية التي نكلّم بها الموتى ، أو نسيّر بها الجبال ، أو نطوي بها الأرض! وكلماته المجردة عن دلالة الهداة لا تعرب لنا عن ماهية تصدّع الجبل وخشوعه بسبب انزل القرآن عليه وكيفية ذلك! وهكذا الأمر بالنسبة للكثير من أسرار القرآن الباهرة.
أترى لو أن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتحدّث عن السر الملكوتي التي تضفيه الآية الكريمة : (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (٤) علىمن يريد أن يعمي الأبصار عن رؤيته ، كما هو الحال في حادثة خروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم من بيته مهاجراً ، (٥) أترانا عرفنا خاصية هذه الآية وميزتها؟!
من الواضح ان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يترك مثل هذا العلم في الهواء الطلق بحيث يجعله مشاعاً لكل من رافقه ، فلو قلنا بأنه لم يتركه لأحد فسيكون إبلاغه للرسالة ناقصاً ، حيث يمكن القول بأن أسرار القرآن قد ماتت بموته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يقوله ، فقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
____________________
(١) الرعد : ٣١.
(٢) الإمامة ذكل الثابت الإسلامي المقدّس : ١١٩ ـ ١٢٠ ؛ والآية في سورة الحشر : ٢١.
(٣) التكاثر : ٥ ـ ٦.
(٤) يس : ٩.
(٥) من الواضح ان هذه الآية من المجرّبات التي لا تحتاج إلى برهنة ، فدليلها في تجربتها.