وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) أنه لم يحدد حدّاً للطهارة التي أرادها للمعصوم ، وعدم التحديد هذا يفيد لنا شمولية المراد بالطهارة ، ولو حللنا ذلك وتأمّلنا بطابع الطهارة المراد بالآية الشريفة ، لعرفنا أن التطهير شمل جميع المواضع التي تتعلق بتكوّن الفعل الإنساني ، وهي القلب والفكر ، فالقلب هو مصدر الإرادة ومركز العواطف والنيّات ، والفكر هو الذي يبرر القرار الإرادي ويفسّره ، وإذا ما اجتمع الاثنان في إطار التطهير الإلهي فلا محالة من طهارة الفعل ، ومعلوم أن لا حدود تحدد تفاعلات هذه الإرادة بعد أن أطلقت طهارة القلب والفكر.
ويمكننا ملاحظة نفس الأمر في العهد المشار إليه في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) ، فمن المعلوم أن عهد الله ليس له حدّ في هذا الوجود ، بل هو يشمل كل أفياء هذا الوجود ، وعصمة الإمامة (٣) هنا شاملة لكل هذا الحد.
ونفس الأمر نجده واضحاً وجلياً في الآية الكريمة : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (٤) إذ لا يمكن تصوّر الرحمة المرسلة للعالمين وهي تتعثر في مجالات تطبيقاتها التي لا نستطيع أن نحصرها في مجال في الوجود دون الآخر ، فهي تشمل كل شيء في هذا الوجود.
هذا على نحو الاجمال أما على نحو التفصيل فإن ذلك نعلمه من
____________________
(١) الأحزاب : ٣٣.
(٢) البقرة : ١٢٤.
(٣) المراد بالإمامة هنا المصطلح القرآني وليس المصطلح المذهبي ، وقد تحدّثنا عن هذه الآية الكريمة بصورة مفصّلة في كتابنا : الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدّس ، فليراجعه من شاء التفصيل.
(٤) الأنبياء : ١٠٧.