يقضي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويسلموا له بهذه الطريقة التي نرى توغّلها إلى القناعات الذاتية غير المهموسة ، لا بد وأن يعرب عن عصمة القاضي لأن أي خلل في قضائه ، وإن أجبر المتقاضين على الاستماع إليه والرضوخ إلى حكمه ، إلا انه لا يمكنه أن يولد هذه القناعة الذاتية الجازمة المطالب بها من يؤمن به.
في قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (١) يشير الله سبحانه وتعالى في جملة ما يشير إليه إلى الطبيعة الوجدانية التي تتملك الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي تدلّنا مرة أخرى على حد جديد من حدود العصمة ، فقلب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يك معصوماً بالصورة التي تكون عواطفه في ما يحزنه أو يغضبه أو يؤذيه ، أو في ما يفرحه ويسعده وما ناظر ذلك لما كان هذا القلب بهذه الطبيعة من الرحمة التي لا تتوقف عند حدود شيء ، ولما رأينا تعليق الله سبحانه غضبه على من يؤذي رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومحبته على من يحبّ رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما تشير إليه مفاد الآيات التالية : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (٢) ، وقوله : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ) (٣) ، وكذا قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً). (٤)
ولا يمكن توهم أن الآية الشريفة : (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ
____________________
(١) الأنبياء : ١٠٧.
(٢) التوبة : ٦١.
(٣) الأحزاب : ٥٣.
(٤) الأحزاب : ٥٧.