في الآية الكريمة يقول تبارك وتعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١) عرضت الأمانة الإلهية التي يمثل حملها أحد الأهداف البارزة في مهمة الهداية اربانية عرض الاستعداد التكويني على المخلوقات ، وحملها الإنسان المتخلّي عن الظلم والجهل ، (٢) ويفترض ان هذا الحمل كان حملاً يتناسب مع طبيعة المؤهلات الذاتية لحاملها ، وقد التصقت هذه المؤهلات بصفتي العدالة والظلم التصاقاً ذاتياً ، فإوجدت بينهما نسبة طردية ، فبمقدار ما ينأى الإنسان عن الظلم والجهل يكون أكثر أهلية لحمل هذه الأمانة وأداء المسؤوليات المترتبة عليها ، وبمقدار ما يتخلى عن العدالة والعلم يكون عاجزاً عن حمل ذلك ، وعليه : فهذا العرض لازمه وجود المؤهل الذاتي لدى الإنسان على الحمل ، وهذا الحمل لازمه أنه لا بد من وجود جهة خاصة قادرة على النوء بمسؤوليات هذه الأمانة لأن الله سبحانه وتعالى لن يضع أمانته بيد كل من هبّ ودبّ ، إذ لا يمكن مع ذلك تحقق مقتضيات الحكمة من هذا الحمل. (٣)
وحين يكون هذا الحمل قد تمّ في صورته الكاملة ، لأنه لا يعقل أن يعرض الله عرضاً لا وجود لمتحمّله ، لأنه سيكون عندئذ عرضاً اعتباطياً ، وحاشى لله من ذلك لإخلاله الواضح في حكمته وعلمه ، فلا بد وأن يكون
____________________
(١) الأحزاب : ٧٢.
(٢) بعض السذّج قد يفهم ان حمل الأمانة كان من قبل الإنسان الظلوم الجهول ، والحال ان الله سبحانه وتعالى لا يثيب على الظلم والجهل ، ولكن هذا الإنسان قد يتخلى عن حمل الأمانة فيكون ظلوماً جهولاً.
(٣) الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم عليهالسلام : ١٦٥ ، جلال الدين علي الصغير ؛ دار الأعراف للدراسات ـ بيروت ١٩٩٨ ط ٢.