من حملها هو الإنسان الكامل الذي نأى بنفسه عن الظلم والجهل وهو مفاد العصمة.
ولن تجد في سياق التربية الربانية بأفضل من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لحمل هذه الامانة بصورتها الكاملة ، كيف لا؟ وهو الذي بلغ من ربّه نتيجة لمؤهلاته الخاصة ما لم يبلغه نبي مرسل ولا ملك مقرّب إذ (دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (١).
سخّر الله جلّ وعلا ما في السموات والأرض للإنسان فقال : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٢) وعملية التسخير نجدها تنسجم فكرياً كل الإنسجام مع طبيعة الأمانة المعروضة في الآية السابقة بل يمكننا أن نفهم أن عملية التسخير هذه تمثل أحد المعطيات العملية لمسألة الأمانة ، وأيّاً كان فإن هذه العطايا التي تشمل ما حوى الكون لم تك لمجرد : الهبة والعطاء والإنعام المجرد من الغاية ، بل تظهر خاتمة الآية الكريمة : (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) تداخل هذه المنح والإيتاء مع مسؤولية المكلّف في هذا الكون ، فلا معنى لوجود كلمة الظلوم إلا في مصاف الحديث عن دور هذا المكلّف في هذا الوجود.
وهذا الأمر إذ يعكس وجود القابل الإنساني لاستيفاء مهام التسخير ،
____________________
(١) النجم : ٨ ـ ٩.
(٢) إبراهيم : ٣٢ ـ ٣٤.