يكون خبره كذبا لانه قد يجوز أن لا يصير إلى المسجد مع تبقية الله تعالى له قادرا مختارا فلا يأمن من الكذب في هذا الخبر دون أين يستثني المشية العامة التي ذكرناها فاذا دخلت هذه المشية في الاستثناء فقد أمن من أن يكون خبره كذبا إذا كانت هذه المشية متى وجدت وجب أن يدخل المسجد لا محالة.
قال : وبمثل هذا الاستثناء يزول الحنث عمن حلف فقال : «والله لاصيرن غدا إلى المسجد إن شاء الله» لانه إن استثنى على سبيل مابينا لم يجز أن يحنث في يمينه ولو خص استثناءه بمشية بعينها ثم كانت ولم يدخل معها المسجد حنث في يمينه.
وقال غير أبي علي : إن المشية المستثناة هنا هي مشية المنع والحيلولة فكأنه قال : إنشاء الله يخليني ولا يمنعني وفي الناس من قال : القصد بذلك أن يقف الكلام على جهة القطع وإن لم يلزم به ماكان يلزم ، لو لا الاستثناء ولا ينوي في ذلك إلجاء ولا غيره وهذا الوجه يحكى عن الحسن البصري واعلم أن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة فقد يدخل على الايمان والطلاق والعتاق وسائر العقود وما يجري مجراها من الاخبار فاذا دخل ذلك اقتضى التوقف عن إمضاء الكلام ، والمنع من لزوم ما يلزم به ، وإزالته عن الوجه الذي وضع له ولذلك يصير ما تكلم به كأنه لا حكم له ولذلك يصح على هذا الوجه أن يستثني في الماضي فيقول : قد دخلت الدار إنشاء الله فيخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا أو يلزمه حكمه ، وإنما لم يصح دخوله في المعاصي على هذا الوجه لانه فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى ، والمعاصي لا يصح ذلك فيها وهذا الوجه أحد ما يحتمله تأويله الآية.
وقد يدخل الاستثناء في الكلام فيراد به اللطف والتسهيل وهذا الوجه يخص بالطاعات ولهذا الوجه جرى قول القائل : لاقضين غدا ما علي من الدين ولاصلين غدا إنشاء الله مجرى أن يقول : إني أفعل ذلك إن لطف الله تعالى فيه وسهله فعلم أن القصد واحد ، وأنه متى قصد الحالف فيه هذا الوجه ، لم يجب