ج) : ذكرنا أنّها عبارة عن ملكة نفسانية وإرادة قويّة وهي عناية خاصّة ربانيّة ولم نقل أنّها تسلب الاختيار من صاحبها ، إذ أنها لا تجعله مسخَّراً منقاداً ، بل يتمتّع بكامل الحريّة وتمام الاختيار في عمله وسلوكه الّذي يصدر منه لكنّه بطبيعة الحال لا يكون إلا شَكُوراً ، وكما تُنسب جميع الأعمال إلى الله ـ تعالى ـ : ( وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (١) فإنّ هذه العصمة تنسب اليه أيضاً ، بمعنى أنّه ـ تعالى ـ قد ضمن عصمته وصيانته وترفّعة عن كلّ نقص وعيب وقبيح ، فهو يستحقّ الدّرجات الرّفيعة والمنازل العالية بعمله الدؤوب وجهده المتواصل ، ثم لمّا كانت هذه العصمة أوسع دائرة وأشمل موضوعاً وأشدّ ابتلاءً من العصمة الصغرى لأنّها لا تقتصر على ترك المعصية العمديّة بل تتّسع لتشمل الخطأ والسّهو والنّسيان ، ولا تقتصر على ترك الحرام والالتزام بالفريضة ، بل تتّسع لتشمل ترك المكروه والالتزام بالمندوب والمستحب ، ولا تقتصر على ذلك أيضاً بل تتّسع لتشمل « ترك الأولى » ، لمّا كانت العصمة هكذا كان صاحبها أفضل من غيره ، ولا يدانيه أحد في فضله وكماله.
__________________
(١) سورة الصافّات : ٩٦.