الخامس والثلاثون : عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أيها الناس هذه دار ترح لادار فرح (١) ودار التواء (٢) لا دار استواء ، فمن عرفها لم يفرح لرجاء ولم يحزن لشقاء ، ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى والاخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الاخرة سببا ، وثواب الاخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي ، وإنها لسريعة الذهاب ووشيكة الانقلاب فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها (٣) واهجروا لذيد عاجلها لكربة آجلها ولا تسعوا في عمارة قد قضى الله خرابها ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين.
السادس والثلاثون : عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : أيها الناس اتقو الله حق تقاته ، واسعوا في مرضاته ، وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الآخرة بالبقاء ، واعملوا لما بعد الموت فكأنكم بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل. أيها الناس إن من في الدنيا ضيف ، وما في أيديهم عارية ، وإن الضيف مرتحل ، والعارية مردودة. ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، والاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر ، فرحم الله امرءا ينظر لنفسه ومهد لرمسه (٤) مادام رسنه مرخيا وحبله على غاربه ملقيا قبل أن ينفذ أجله وينقطع عمله.
السابع والثلاثون : عن أبي ذر رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لرجل وهو يوصيه : اقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر ، واقلل من الذنوب يسهل عليك الموت ، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به ، واقنع بما اوتيته يخف عليك الحساب ولا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك فإنه ليس بفائتك ما قد قسم لك ،
____________________
(١) الترح ضد الفرح.
(٢) من ـ لوى يلوى ليا ـ : الحبل فتله وثناه. والتوى التواء مطاوع لوى.
(٣) الفطام انقطاع الرضاع وفصل الولد عنه.
(٤) الرمس مصدر بمعنى القبر مستويا لا يعلو عن وجه الارض.