يقال لك ، واعلم أن الاعجاب ضد الصواب (١) وآفة الالباب ، وإذا هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك [ وأسعى في كدحك ، ولا تكن خازنا لغيرك ].
واعلم يا بني إن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ، وأهوال شديدة ، وإنه لاغنا بك عن حسن الارتياد ، وقدر بلاغك من الزاد (٢) مع خفة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك ، فيكون ثقيلا ووبالا عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك [ إلى يوم القيامة ] فيوافيك به [ غدا ] حيث تحتاج إليه فاغتنمه ، واغتنم من استقرضك في حال غناك وجعل قضاءه لك في يوم عسرتك [ وحمله إياه ، وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده ] واعلم أن أمامك عقبة كؤودا (٣) لا محالة أن مهبطها بك على جنة أو نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك.
وأعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والاخرة قد أذن لدعائك ، وتكفل لاجابتك ، وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو رحيم كريم ، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعيرك بالانابة ، ولم يعا جلك بالنقمة ، ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة ، ولم يشدد عليك في التوبة ، فجعل توبتك التورع عن الذنب ، وحسب سيئتك واحدة وحسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب والاستعتاب ، فمتى شئت سمع ندإك ونجواك فأضيت إليه بحاجتك وأبثثته ذات نفسك (٤) وشكوت إليه همومك ، واستعنته على امورك ، ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ، فألحح
____________________
(١) الاعجاب : استحسان ما يصدر عن النفس.
(٢) الارتياد : الطلب أصله واوى من راديرود ، وحسن الارتياد : اتيانه من وجهه والبلاغ ـ بالفتح ـ الكفاية اى ما يكفى من العيش ولا يفضل.
(٣) الكؤود : صعبة شاقة المصعد.
(٤) أفضيت : ألقيت وأبلغت اليه. وأبث فلانا الخير : اطلعه عليه.