عليه في المسألة يفتح لك أبواب الرحمة ، لا يقنطك إن أبطأت عليك الاجابة فإن العطية على قدر المسألة ، وربما اخرت عنك الاجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطية ، ربما سألت الشئ فلم تؤتاه واوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرت إلى ما هو خير لك ، فلرب أمر قد طلبته وفيه هلاك دينك ودنياك لو اوتيته ، ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله ، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له ، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أوسيئا أو يعفو العفو الكريم.
واعلم يابني إنك إنما خلقت للاخرة لا للدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وللموت لا للحياة ، وأنك في منزل قلعة ، ودار بلغة (١) وطريق إلى الاخرة ، وأنك طريد الموت الذي لا ينجوها ربه ، ولابد أنه مدركك يوما ، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.
يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه واجعله أمامك حيث [ تراه حتى ] يأتيك وقدأ خذت منه حذرك وشددت له أزرك ، و لا يأتيك بغتة فيبهرك (٢) ولا يأخذك على غرتك ، وأكثر ذكر الاخرة وما فيها من النعيم والعذاب الالبم ، فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك.
وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها وتكالبهم عليها (٣) وقد نبأك الله جل جلاله عنها ونعت إليك نفسها وتكشفت لك عن مساويها ، فانما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها بعضا (٤) ويأكل عزيزها ذليلها [ ويقهر كبيرها صغيرها ]
____________________
(١) القلعة ـ بالضم فالسكون ـ أى لا يصلح للاستيطان والاقامة ، يقال منزل قلعة أى لا يملك لنازله ، ويقلع عنه ولا يدرى متى ينتقل عنه. والبلغة : ما يبلغ به من العيش والمراد أنها دار تؤخذ فيها الكفاية للاخرة.
(٢) أى يغلبك.
(٣) التكالب : التواثب أى شدة حرصهم عليها.
(٤) ضارية أى مولعة بالافتراس : ويهر أى يكره أن ينظر بعضها بعضا ويمقت.