وكثيرها قليلها ، نعم معقلة واخرى مهملة قد أضلت عقولها (١) وركبت مجهولها سروح عاهة في داروعث (٢) ليس لها راع يقيمها ، ألعبتهم الدنيا فلعبوا بها ، ونسوا ما وراءها ، رويدا حتى يسفر الظلام (٣) كان ورب الكعبة يوشك من أسرع أن يلحق.
واعلم أن كل من كانت مطيته الليل والنهار (٤) فإنه يساربه وإن كان لا يسير ، أبى الله إلاخراب الدنيا وعمارة الاخرة.
يا بني فإن تزهد زهد تك فيه وتعزف نفسك عنها (٥) فهي أهل ذلك ، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولا تعدوأ جلك فإنك في سبيل من كان قبلك فخفض (٦) في الطلب ، وأجمل في المكتسب فانه رب طلب قد جر إلى حرب (٧) وليس كل طالب بناج ، وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم
____________________
(١) النعم ـ محركة ـ : الابل أى أهلها على قسمين ، قسم كابل منعها عن الشر عقالها وهم الضعفاء وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء وهم الاقوياء ، و « معلقة » من العقال وعقل البعير شد وظيفه إلى ذراعه. وقوله « أضلت عقولها » أى اضاعت عقولها وركبت طريقها المجهول لها.
(٢) السروح ـ بالضم ـ جمع سرح ـ بفتح السين وسكون الراء ـ : المال السائم من الابل ونحوها الماشية. والعاهة : الافة. والوعث : الطريق العسر يصعب السير فيه.
(٣) رويدا مصدر أرود ، مصغرا تصغير الترخيم : مهلا. ويسفر أى يكشف والمعنى عن قريب يكشف ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة بحلول الموت.
(٤) المطية : الدابة التى تركب.
(٥) أى تزهد نفسك عنها ولا تشتهيها.
(٦) أى فسهل من الخفض بمعنى السهل.
(٧) الحرب ـ محركة ـ : سلب المال ، من حرب الرجل : سلبه ماله وتركه بلا شئ. وأيضا بمعنى الهلاك والويل.