نفسك عن دنية وإن ساقتك إلى الرغائب (١) فانك لن تعتاض بما تبذل شيئا من دينك وعرضك بثمن وإن جل ، ومن خير حظ امرء قرين صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشر تبن عنهم ، لا يغلبن عليك سوء الظن فانه لا يدع بينك وبين صديق صفحا (٢) بئس الطعام الحرام ، وظلم الضعيف أفحش الظلم ، والفاحشة كاسمها ، والتصبر على المكروه يعصم القلب ، وإذا كان الرفق خرفا كان الخرق رفقا (٣) وربما كان الداء ودواء ، وربما نصح غير الناصح ، وغش المستنصح (٤) وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى (٥) ومطل عن الاخرة والدنيا (٦) زك قلبك بالاذب كما يذكى النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل (٧).
____________________
الدنية مؤنث الدنى : الساقط الضعيف والخصلة المذمومة والنقيصة. والمراد أن طلب المال لصيانة النفس وحفظه فلو أتعبت وبذلت نفسك لتحصيل المال فقد ضيعت ما هو المقصود منه فلا عوض لما ضيع. والرغائب : جمع الرغيبة وهى الامر المرغوب فيه ، والعطاء الكثير. وقوله « فانك لن تعتاض » اى لن تجد عوضا عما تبذل.
(٢) الصفح الاعراض.
(٣) الخرق بضم الخاء وسكون الراء ـ وبالتحريك ضد الرفق ، والعنف يعنى اذا كان العنف في مقام يلزمه لمصلحة كمقام التأديب واجراء الحدود يكون ابداله بالرفق عنفا ويكون العنف في هذا المقام من الرفق. فلا يجوز وضع كل منهما موضع الاخر.
(٤) المستنصح : المطلوب منه النصح.
(٥) المنى جمع المنية ـ بالضم فالسكون ـ : ما يتمناه الانسان لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول اليه. والبضائع جمع بضاعة وهى من المال ما اعد للتجارة. والنوكى ـ كسكرى ـ جمع الانوك أى الاحمق وأيضا المقهور والمغلوب والمراد هنا الضعيف النفس في الرأى والعمل.
(٦) المطل : التسويف والتعويق وفى المصدر « وتثبط في الاخرة والدنيا » وفى التحف « وتثبط عن الاخرة والدنيا » ولعله هو الصواب والتثبط : ايضا التعويق.
(٧) الحاطب الذى يجمع الحطب. واذا كان ذلك في ظلمة الليل خلط الحابل بالنابل وهو مثل يضرب لمن خلط في كلامه. والغثاء بالغين المعجمة والثاء المثلثة ـ الزبد و البالى من ورق الشجر المخالط زبد السيل.