له (١) فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ، ومعهم و ليسوا معهم ، وذلك لان الضلالة لا توافق الهدى ، وإن اجتمعا وقد اجتمع القوم على الفرقة ، وافترقوا على الجماعة ، وقد ولو أمرهم أمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر. والرشاء والقتل ، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ، لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه ، ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره (٢) يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك ، ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك ، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك ، ومن عهود ملك إلى عهود ملك ، فاستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون وإن كيدة متين بالامل والرجاء (٣) حتى توالدوا في المعصية ، ودانوا بالجور.
والكتاب لم يضرب عن شئ منه صفحا ، ضلا لا تائهين ، قد دانوا بغير دين الله عز ذكره وأدانوا لغير الله (٤).
مساجد هم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة ، خربة من الهدى وفقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته ، ومن عند هم جرت الضلالة وإليهم تعود ، وحضور مساجد هم والمشئ إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالتهم ، فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خر به من الهدى ، عامرة من الضلالة ، قد بدلت
____________________
(١) « واها » كلمة تلهف وتوجع. قوله : « لما يعملان » في بعض نسخ المصدر « لم يعمدان له » بالدال أى العلة الغائية من خلقها.
(٢) بكسر الزاى وسكون الباء أى كتابته. وقوله : « يدخل الداخل » أى في الدين وخروجه لما يرى من عدم عمل أهله به وبدعهم وجورهم.
(٣) متعلق بقوله « استدرجهم » واستدراج الله تعالى عباده أنه كلما جدد العبد خطيئة جددله نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ويباغته.
(٤) « دانوا » أى أمروا بطاعة غيره تعالى. و « أدانوا » لم يرد هذا البناء فيما عند نا من كتب اللغة و في النسخة القديمة « وكانوا لغير الله » (منه).