ذكرت خيرا علموه (١) وعلمت شيئا جهلوه ، بل حظيت (٢) بما حل من حالك في صدور العامة وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك. إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ، وما الناس فيه من البلاء والفتنة ، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم (٣) إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره. فالله لنا ولك وهو المستعان.
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم (٤) لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنه ، الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه (٥) ، المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول؟ وعند من المستعتب؟ نشكو إلى الله بثنا (٦) وما نرى فيك ، ونحتسب عندالله مصيبتنا بك.
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ، وكيف إعظامك لمن
____________________
(١) في بعض النسخ «أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه». وفى بعضها «أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه».
(٢) من الحظ. رجل حظى اذا كان ذا منزلة.
(٣) تافت : اشتافت. (٤) الاسمال : جمع سمل ـ بالتحريك ـ : الثوب الخلق البالى.
(٥) المأفون : الذى ضعف رأيه. والمدخول في عقله : الذى دخل في عقله الفساد.
(٦) المعول : المعتمد والمستغاث. واستعتبه : استرضاه. والبث : الحال ، الشتات ، أشد الحزن.