من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع أحب إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه. ويرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه. وهو تمام الامر (١).
يا هشام من صدق لسانه زكي عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمر.
يا هشام لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها (٢) ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا (٣).
يا هشام لا دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لا عقل له ، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا (٤) ، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها بغيرها (٥).
____________________
(١) أى ملاك الامر وتمامه في أن يكون الانسان كاملا تام العقل هو كونه متصفا بمجموعة هذه الخصال.
(٢) لا تمنحوا الجهال أى لا تعطوهم ولا تعلموهم. والمنحة : العطاء.
(٣) في الكافى ههنا «ياهشام ان العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه».
(٤) أى قدرا ورفعة. والخطر : الحظ والنصيب والقدر والمنزلة.
(٥) ههنا كلام نقله صاحب الوافى عن استاذه ـ رحمهما الله ـ قال : ذلك لان الابدان في التناقص يوما فيوما لتوجه النفس منها إلى عالم آخر فان كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا وانقطاع حياته البدنية إلى الله سبحانه والى نعيم الجنة لكونه على منهج الهداية والاستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالى ولهذا خلقه الله عزوجل وان كانت شقية كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه على طريق الضلالة فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التى ستصير نيرانات محرقة مؤلمة وهى اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل الدنيا وستبرز يوم القيامة «وبرزت الجحيم لمن يرى» معاملة مع الشيطان وخسر هنالك المبطلون.