ومرافقها (١). كذلك تذكرون مؤونة عمل الاخرة فيطول عليكم أمده. و تنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها (٢) يا عبيد السوء نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الايمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه (٣) ، بحق أقول لكم ، لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران (٤) في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم : لا تدركون شرف الاخرة إلا بترك ما تحبون ، فلا تنظروا بالتوبة غدا ، فان دون غد يوما وليلة وقضاء الله (٥) فيهما يغدوا ويروح. بحق أقول لكم :
إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل هما ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء ، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب ، وأن صغار الذنوب ومحقراتها (٦) من مكائد إبليس ، يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، ورجل أتقنها
____________________
(١) مؤونة المراقى : شدة الارتقاء. والمرافق : المنافع وهى جمع مرفق ـ بالفتح ـ :
ما انتفع به.
(٢) الامد : الغاية ومنتهى الشئ ، يقال : طال عليهم الامد أى الاجل. والنور ـ بالفتح ـ : الزهرة.
(٣) الغب ـ بالكسر ـ : العاقبة. وأيضا بمعنى البعد.
(٤) القطران ـ بفتح القاف وسكون الطاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطاء ـ :
سيال دهنى شبيه النفط ، يتخذ من بعض الاشجار كالصنوبر والارز فيهنأ به الابل الجربى ويسرع فيه اشعال النار. وقوله : «نتنه» أى خبث رائحته.
(٥) كناية عن الموت فانه يأتى في الغداة والرواح.
(٦) في بعض النسخ «ومحقرتها».