يا هشام مكتوب في الانجيل «طوبى للمتراحمين ، اولئك هم المرحومون يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس ، اولئك هم المقربون يوم القيامة ، طوبى للمطهرة قلوبهم ، اولئك هم المتقون يوم القيامة ، طوبى للمتواضعين في الدنيا ، اولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة».
يا هشام قله المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت ، فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم ، فإن بابه الصبر ، وإن الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب ، والمشاء إلى غير أرب (١) ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم ، فاستحيوا من الله في سرائركم ، كما تستحيون من الناس في علانيتكم ، واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.
يا هشام تعلم من العلم ما جهلت ، وعلم الجاهل مما علمت ، عظم العالم لعلمه ودع منازعته ، وصغر الجاهل لجهله ، ولا تطرده ، ولكن قربه وعلمه.
يا هشام إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها ، وقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : «إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشية فأسكتتهم عن المنطق ، وإنهم لفصحاء عقلاء ، يستبقون إلى الله بالاعمال الزكية ، لا يستكثرون له الكثير ، ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل ، يرون في أنفسهم أنهم أشرار وأنهم لاكياس وأبرار» (٢).
يا هشام الحياء من الايمان والايمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء (٣) والجفاء في النار.
____________________
(١) المشاء : الكثير المشى. وأيضا النمام والمراد ههنا الاول. والارب ـ بفتحتين ـ :
الحاجة.
(٢) الاكياس : جمع كيس ـ كسيد ـ : الفطن ، الظريف ، الحسن الفهم والادب.
(٣) البذاء : الفحش. والبذى ـ على فعيل ـ : السفيه والذى أفحش في منطقه.