يفعل كما يفعل الصبي.
فدعا الملك العلماء والمنجمين فقال : أخبروني خبرابني هذا فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره ، فلم يكن عندهم فيه علم ، فلما رأى الملك أنه ليس عندهم فيه علم دفعه إلى المرضعات فأخذن في إرضاعه إلا أن منجما منهم قال : إنه سيكون إماما ، وجعل عليه حراسا لا يفارقونه حتى إذا شب انسل يوما من عند مرضعيه والحرس فأتى السوق فإذا هو بجنازة فقال : ما هذا قالوا : إنسانا مات قال : ما أماته؟ قالوا : كبر وفنيت أيامه ودنى أجله فمات ، قال : وكان صحيحا حيا يمشي ويأكل ويشرب؟ قالوا : نعم ، ثم مضى فإذا هو برجل شيخ كبير فقام ينظر إليه متعجبا منه ، فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل شيخ كبير قد فنى شبابه وكبر ، قال : وكان صغيرا ثم شاب؟ قالوا : نعم ، ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلقى على ظهره ، فقام ينظر إليه ويتعجب منه ، فسألهم ما هذا؟ قالوا : رجل مريض ، فقال : أو كان هذا صحيحا ثم مرض؟ قالوا : نعم قال : والله لئن كنتم صادقين فإن الناس لمجنونون.
فافتقد الغلام عند ذلك فطلب فإذا هو بالسوق فأتوه فأخذوه وذهبوا به فأدخلوه البيت ، فلما دخل البيت استلقى على قفاه ينظر إلى خشب سقف البيت و يقول : كيف كان هذا؟ قالوا : كانت شجرة ثم صارت خشبا ، ثم قطع ، ثم بني هذا البيت ، ثم جعل هذا الخشب عليه ، فبينا هو في كلامه إذا رسل الملك إلى الموكلين به : انظروا هل يتكلم أو يقول شيئا؟ قالوا : نعم وقد وقع في كلام ما نظنه إلا وسواسا ، فلما رأى الملك ذلك وسمع جميع ما لفظ به الغلام ، دعا العلماء فسألهم فلم يجد فيه عندهم علما إلا الرجل الاول فأنكر قوله فقال بعضهم : أيها الملك لو زوجته ذهب عنه الذي ترى ، وأقبل وعقل وأبصر فبعث الملك في الارض يطلب ويلتمس له امرأة فوجدت له امرأة من أحسن الناس وأجملهم فزو جهامنه ، فلما أخذوا في وليمة عرسه أخذ اللاعبون يلعبون والزمارون يزمرون ، فلما سمع الغلام جلبتهم (١)
____________________
(١) جلب القوم : ضجوا واختلطت اصواتهم. والجلاب والمجلب ـ بشد اللام ـ : المصوت.