أهل هذه المدينة ، فقال الغلام : ما أنا بغريب ، فعالجه الملك أن يصدقه قصته فأبى ، فأمر الملك اناسا أن يحرسوه وينظروا أين يأخذ ، ولا يعلم بهم ، ثم رجع الملك إلى أهله فقال : رأيت رجلا كأنه ابن الملك وماله حاجة فيما تراودونه عليه ، فبعث إليه فقيل له : إن الملك يدعوك ، فقال الغلام : وما أنا والملك يدعوني ومالي إليه حاجة وما يدري من أنا ، فانطلق به على كره منه حتى دخل على الملك فأمر بكرسي فوضع له فجلس عليه ودعى الملك امرأته وابنته فأجلسهما من وراء الحجاب خلفه فقال له الملك : دعوتك لخير ، إن لي ابنه قد رغبت فيك اريد أن ازوجها منك فإن كنت مسكينا أغنيناك ورفعناك وشرفناك ، قال الغلام : مالي فيما تدعوني إليه حاجة ، فإن شئت ضربت لك مثلا أيها الملك؟ قال : فافعل.
قال الغلام : زعموا أن ملكا من الملوك كان له ابن وكان لابنه أصدقاء صنعوا له طعاما ودعوه إليه فخرج معهم فأكلوا وشربوا حتى سكروا فناموا فاستيقظ ابن الملك في وسط الليل فذكر أهله فخرج عائدا إلى منزله ، ولم يوقظ أحدا منه فبينا هو في مسيره إذ بلغ منه الشراب فبصر بقبر على الطريق فظن أنه مدخل بيته فدخله فإذا هو بريح الموتى فحسب ذلك لما كان به السكر أنه رياح طيبة فإذا هو بعظام لا يحسبها إلا فرشه الممهدة ، فإذا هو بجسد قد مات حديثا وقد أروح فحسبه أهله فقام إلى جانبه فاعتنقه وقبله وجعل يعبث به عامة ليله فأفاق حين أفاق ونظر حين نظر فإذا هو على جسد ميت وريح منتنة ، قد دنس ثيابه وجلده ، ونظر إلى القبر وما فيه من الموتى ، فخرج وبه من السوء ما يختفي به من الناس أن ينظروا إليه متوجها إلى باب المدينة ، فوجده مفتوحا فدخله حتى أتى أهله فرأى أنه قد انعم عليه حيث لم يلقه أحد ، فألقى عنه ثيابه تلك واغتسل ولبس لباسا اخرى وتطيب.
عمرك الله أيها الملك أتراه راجعا إلى ما كان فيه وهو يستطيع؟ قال : لا ، قال : فإني أنا هو ، فالتفت الملك إلى امرأته وابنته ، وقال : قد أخبرتكم أنه ليس له فيما تدعونه رغبة ، قالت امها : لقد قصرت في النعت لابنتي والوصف لها أيها الملك