بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتعالي عن صفات المخلوقين المنزه عن نعوت الناعتين المبرأ مما لا يليق بوحدانيته المرتفع عن الزوال والفناء بوجوب إلهيته الذي استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه وترادف لديهم من حسن بلائه وتتابع من أياديه وعواطفه وتفاقم من مواهبه وعوارفه جم عن الإحصاء عددها وفاق عن الإحاطة بها مددها وخرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقها لديها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يثقل بها ميزان العارفين وتبيض بها وجوههم يوم الدين وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى خاتم الرسل والأنبياء وسيد الخلائق كلهم والأصفياء وأن وصيه علي بن أبي طالب عليهالسلام خير وصي وخير إمام ولي وأن عترته الطاهرة خير العتر ـ الأئمة الهادية الاثنا عشر أمناء الله في بلاده وحججه على عباده ـ بهم تمت علينا نعمته وعلت كلمته ـ اختارهم للبرية إظهارا للطفه وحكمته وإنارة لأعلام عدله ورحمته فانزاحت بهم علة العبيد وزهق باطل كل مستكبر عنيد بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب حفظا منه للشرائع والأحكام وسياسة لهم وهيبة لأهل المعاصي والآثام وزجرا عن التغاشم والتكالب وردعا عن التظالم والتواثب وتأديبا بهم لأهل العتو والعدوان ورفعا لما تدعو إليه دواعي الشيطان ولم يمهلهم سدى بلا حجة فيهم معصوم إما ظاهر مشهور أو غائب مكتوم ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ ) بعد الحجة ولا يلتبس عليهم في دينه المحجة ولم يجعل إليهم اختياره لعلمه بأنهم لا يعلمون أسراره ولأنه عز وجل متعال عن فعل شيء لا يجوز عليه مثل تكليف ما لا يهتدي العباد إليه وقد نزه نفسه عن أن يشرك به أحدا في الاختيار حيث قال ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص / ٦٨.
ثم إن الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا وعن سبيل الجدال وإن كان حقا وقولهم إن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام لم يجادلوا قط ولا استعملوه ولا للشيعة فيه إجازة بل نهوهم عنه وعابوه فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع والأصول ـ مع أهل الخلاف وذوي الفضول قد جادلوا فيها بالحق من الكلام وبلغوا غاية كل مرام.
وإنهم عليهمالسلام إنما نهوا عن ذلك الضعفاء والمساكين من أهل القصور عن بيان الدين دون المبرزين في الاحتجاج الغالبين لأهل اللجاج فإنهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم ومداواة الكلوم (١) فعلت بذلك منازلهم وارتفعت درجاتهم وانتشرت فضائلهم.
__________________
(١) الكلوم : جمع كلم ـ بفتح فسكون ـ وهو الجرح.