إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون فأنتم عن حرارة السيف أعجز فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
يا أهل الكوفة قد أتاني الصريح يخبرني أن ابن عمر [ غامد ] قد نزل الأنبار (١) على أهلها ليلا في أربعة آلاف فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة بوأ الله لهم جنات النعيم وأنه أباحها ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام (٢) كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيهتكون سترها ويأخذون القناع من رأسها والخرص من أذنها والأوضاح من يديها ورجليها وعضديها والخلخال والمئزر عن سوقها فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء يا للمسلمين فلا يغيثها مغيث ولا ينصرها ناصر فلو أن مؤمنا مات دون هذا ما كان عندي ملوما بل كان عندي بارا محسنا وا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى (٣) ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون فتربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب.
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوآله لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ (٤) لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت (٥) تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (٦) أو داعي مسدده إلى النضال (٧) وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان (٨) فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها (٩) وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك (١٠) وتتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة
__________________
(١) الأنبار : بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات ويقابلها على الجانب الغربي هيت.
(٢) العصبة ـ بضم العين ـ : جماعة من الرجال نحو العشرة ، وقيل : ومن العشرة الى الأربعين.
(٣) الغرض ـ بالتحريك ـ : الهدف الذي يرمى إليه.
(*) تجد هذا الكتاب في ج ٣ ص ٣٤ من نهج البلاغة.
(٤) خبأه : ستره واخفاه.
(٥) طفق : جعل.
(٦) مثل يضرب لمن يحمل الشيء الى معدنه لينتفع به فيه ، وهجر معروفة بكثرة التمر.
(٧) المناضلة : المرامات ، يقال : ناضله إذا راماه ، ومسدده : الذي يعلمه الرمي وهو مثل يضرب لمن يتعالم على معلمه ومثله قوله :
اعلمه الرماية كل يوم |
|
فلما اشتد ساعده رماني |
(٨) يريد أبا بكر وعمر.
(٩) القدح : السهم وهذا المثل يضرب لمن يفتخر بشيء ليس فيه.
(١٠) أربع : توقف وانتظر يقال : « أربع على نفسك أو على ظلعك » أي : توقف ولا تستعجل والظلع العيب : أي أنت ضعيف فانته عما لا تطيقه ويقصر عنه باعك