روي أن رجلا من أصحابه قام إليه فقال إنك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أي الأمرين أرشد!!
فصفق عليهالسلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال :
هذا جزاء من ترك العقدة (١) أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي جعل الله فيه خيرا كثيرا (٢) فإن استقمتم هديتكم وإن اعوججتم قومتكم وإن أبيتم تداركتكم (٣) لكانت الوثقى ولكن بمن وإلى من (٤) أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها (٥) اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي (٦) وكلت النزعة بأشطان الركي (٧).
فقال عليهالسلام (٨) وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة بعد كلام طويل ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة (٩) ومكرا وخديعة إخواننا وأهل دعوتنا
__________________
(*) قال الشهرستاني ـ في الملل والنحل ـ:
الخوارج : كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو كان بعدهم على التابعين باحسان ، والأئمة في كل زمان ( قال ) اعلم : ان اول من خرج على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليهالسلام) جماعة ممن كان معه في حرب صفين ، وأشدهم خروجا عليه ومروقا من الدين « الأشعث بن قيس » و « مسعود بن فدكي التميمي » و « زيد بن حصين الطائي » حين قالوا : « القوم يدعوننا الى كتاب الله وأنت تدعونا الى السيف » حتى قال : أنا أعلم بما في كتاب الله انفروا الى بقية الأحزاب انفروا الى من يقول : كذب الله ورسوله وأنتم تقولون : صدق الله ورسوله قالوا : لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين والا لنفعلن بك كما فعلنا بعثمان فاضطر الى رد الأشتر بعد ان هزم الجمع وولوا مدبرين ، وما بقي منهم الا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة ، فامتثل الأشتر أمره ، وكان من أمر الحكمين ان الخوارج حملوه على التحكيم أولا ، وكان يريد أن يبعث عبد الله بن عباس فما رضى الخوارج بذلك وقالوا : هو منك ، فحملوه على بعث أبي موسى الأشعري ـ على أن يحكما بكتاب الله تعالى ـ فجرى الأمر على خلاف ما رضي به فلما لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا : لم حكمت الرجال؟ ولا حكم الا الله.
(١) العقدة : الرأي والحزم أي هذا جزاؤكم حين تركتم الرأي الحازم الذي أمرتكم به فوقعتم في الحيرة والشك من جراء عنادكم واتباعكم أهواءكم.
(٢) المكروه : الحرب إشارة الى قوله تعالى : فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
(٣) يريد (عليهالسلام) بالاعوجاج العصيان وبالتقويم الإرشاد فان ابيتم ولم تسمعوا النصيحة تداركتكم بالاستنجاد بغيركم واخذتكم بالقوة والقهر.
(٤) هذا هو الطريق ولكن بمن أستعين في هذا الأمر ، والى من أرجع.
(٥) نقش الشوكة : إذا استخرجها من جسمه ومنه سمي « المنقاش » الذي ينقش به والضلع ـ بالتحريك ـ الميل والطبع.
يريد (عليهالسلام) أن طباع بعضهم تشبه طباع بعضهم الآخر وميولهم متماثلة ، كما تميل الشوكة لمثلها وهذا مثل للعرب : « لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها » أي إذا استخرجت الشوكة بمثلها فسوف تنكسر في رجلك كما انكسرت الأولى.
(٦) الداء الدوي : الشديد.
(٧) النزعة : جمع نازع وهو : الذي يستقي الماء ، والشطن هو : الحبل ، والركى جمع ركية وهي : للبئر.
(٨) تجد هذا الكلام له (عليهالسلام) في نهج البلاغة ج ٢ ص ٢.
(٩) الغيلة ـ بالكسر ـ الخديعة.