فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه وذلك لمن آمن بالله ورسوله ولقد قال الله جل ذكره : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه ـ ولكن كانوا يكفرون بتركهم لأن الله تعالى قد نصبه لهم علما وكذلك نصبني علما حيث قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت مني بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي فقالوا وهذه لك بحجتنا فأذعنوا فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم وقتلهم
روي أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من نهروان (٢) فجرى الكلام حتى قيل له لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟
فقال علي عليهالسلام إني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي (٣) فقام إليه الأشعث بن قيس فقال يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك ولم تطلب بحقك؟ فقال يا أشعث قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه واستشعر الحجة إن لي أسوة بستة من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
أولهم نوح حيث قال رب إني ( مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) (٤) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
وثانيهم لوط حيث قال : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) (٥) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
وثالثهم إبراهيم خليل الله حيث قال : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) (٦) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
ورابعهم موسى عليهالسلام حيث قال : ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) (٧) فإن قال قائل إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر وإلا فالوصي أعذر.
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) النهروان : وهي ثلاث نهروانات ، أعلى وأوسط وأسفل ، وهو : كورة واسعة أسفل من بغداد من شرقي تامرا ، منحدرا إلى واسط ، فيها عدة بلاد متوسطة منها اسكاف وجرجرايا ، والصافية ، وديرقنى وغير ذلك. مراصد الاطلاع ج ٣ ص ١٤٠٧
(٣) استأثر بالشيء على الغير : استبد به وخص به نفسه.
(٤) القمر : ١٠.
(٥) هود : ٨٠.
(٦) مريم : ٤٨.
(٧) الشعراء : ٢١