قال الراهب أنت صاحبي ورب عيسى أخبرني عن شيء ليس لله ولا من عند الله ولا يعلمه الله.
قال عليهالسلام على الخبير سقطت!
أما قولك ما ليس لله فإن الله تعالى أحد ليس له صاحبة ولا ولد.
وأما قولك ولا من عند الله فليس من عند الله ظلم لأحد.
وأما قولك لا يعلمه الله ـ فإن الله لا يعلم له شريكا في الملك.
فقام الراهب وقطع زناره وأخذ رأسه وقبل ما بين عينيه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أنك أنت الخليفة وأمين هذه الأمة ومعدن الدين والحكمة ومنبع عين الحجة لقد قرأت اسمك في التوراة إليا وفي الإنجيل إيليا وفي القرآن عليا وفي الكتب السابقة حيدرة ووجدتك بعد النبي وصيا وللإمارة وليا وأنت أحق بهذا المجلس من غيرك فأخبرني ما شأنك وشأن القوم؟
فأجابه بشيء فقام الراهب وسلم المال إليه بأجمعه فما برح علي عليهالسلام مكانه حتى فرقه في مساكين أهل المدينة ومحاويجهم وانصرف الراهب إلى قومه مسلما.
وروي أنه اتصل بأمير المؤمنين عليهالسلام أن قوما من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة ـ فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأن يعرفهم ما لهم وما عليهم والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد والوعد لا يكون إلا بالترغيب والوعيد لا يكون إلا بالترهيب والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك ثم خلقهم في داره وأراهم طرفا من اللذات ليستدلوا به على ما وراءهم من اللذات الخالصة التي لا يشوبها ألم ألا وهي الجنة وأراهم طرفا من الآلام ليستدلوا به على ما وراءهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ألا وهي النار فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها وسرورها ممزوجا بكدرها وهمومها.
قيل فحدث الجاحظ (١) بهذا الحديث فقال هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم ، وتحاوره بينهم.
__________________
(١) الجاحظ : أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري اللغوي النحوي كان من غلمان النظام ، وكان مائلا إلى النصب والعثمانية ، وله كتب منها : « العثمانية » التي نقض عليها أبو جعفر الإسكافي ، والشيخ المفيد ، والسيد أحمد بن طاوس ، وطال عمره وأصابه الفالج في آخر عمره ومات في البصرة سنة ٢٥٥. الكنى والألقاب ج ٢ ص ١٢١.