قيل ثم سمع أبو علي الجبائي (١) بذلك فقال صدق الجاحظ هذا ما لا يحتمله الزيادة والنقصان.
وروي عن علي بن محمد العسكري عليهالسلام في رسالته إلى أهل الأهواز في نفي الجبر والتفويض (٢) أنه قال :
روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال :
يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أبقضاء وقدر.
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام نعم يا شيخ ما علوتم تلعة (٣) ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من عند الله وقدر.
فقال الرجل عند الله أحتسب عنائي والله ما أرى لي من الأجر شيئا.
فقال علي عليهالسلام بلى فقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم ذاهبون وعلى منصرفكم وأنتم منقلبون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.
فقال الرجل وكيف لا نكون مضطرين والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام لعلك أردت قضاء لازما وقدرا حتما ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي وما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ولا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب ولا المذنب أولى بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وجنود الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور والبهتان وأهل العمى والطغيان (٤) هم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله تعالى أمر تخييرا وكلف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل هزلا ولم ينزل القرآن عبثا ولم يخلق السماوات ( وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ).
ثم تلا عليهم ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (٥) قال فنهض الرجل مسرورا وهو يقول :
__________________
(١) الجبائي : أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن ابان مولى عثمان بن عفان « ويطلق » على ابنه أبي هاشم عبد السلام بن محمد ويقال لهما : الجبائيان وكلاهما من رؤساء المعتزلة ، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال ، والكتب الكلامية مشحونة بمذاهبها واعتقادهما ، توفي أبو علي الجبائي سنة ٣٠٣. الكنى والألقاب ج ٢ ص ١٢٦
(٢) تتلخص عقيدتنا نحن الشيعة الإمامية الاثني عشرية في « القضاء والقدر » بما يلي : لما كان الله سبحانه وتعالى مفيض الوجود ومعطيه ، فالافعال الصادرة منا تكون « داخلة تحت سلطانه ، ومن جملة مقدوراته ، ومن ناحية كونها صادرة منا ونحن أسبابها الطبيعية فهي داخلة تحت قدرتنا واختيارنا ، وهو لم يجبرنا عليها ، بل اعطانا القدرة والاختيار في افعالنا ولذا فهو حين يعاقبنا على المعاصي لا يكون ظالما لنا. ولا فوض خلقها الينا حتى تخرج عن سلطانه وخلاصة الكلام اننا نقول بالطريق الوسط في القول بين القولين كما علمنا أئمتنا عليهمالسلام وكما قال إمامنا الصادق عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ».
(٣) التلعة : ما علا من الأرض.
(٤) في بعض النسخ « أهل الغي والطغيان ».
(٥) الإسراء ـ ٢٣.