سألت عنه وإني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم وقلة الراغبين في التماسه وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب.
قال السائل حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين شكر الله لك على استنقاذي من عماية الشرك وطخية الإفك وأجزل على ذلك مثوبتك ( إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات وأعلام البريات محمد وآله أصحاب الدلالات الواضحات وسلم تسليما كثيرا
عن الأصبغ بن نباتة قال : لما بويع أمير المؤمنين عليهالسلام خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله صلىاللهعليهوآله لابسا بردته منتعلا بنعل رسول الله ومتقلدا بسيف رسول الله صلىاللهعليهوآله فصعد المنبر فجلس متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال :
يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا ما زقني رسول الله زقا زقا سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين.
أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الزبور بزبورهم ـ وأهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما أنزل الله فيه ولو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (١).
ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أم في نهار نزلت مكيها ومدنيها سفريها وحضريها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم.
فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ ـ فأجابه بما تقدم ذكرنا إياه (٢).
قال فسلوني قبل أن تفقدوني.
فقام إليه رجل من أقصى المجلس فقال يا أمير المؤمنين دلني على عمل ينجيني الله به من النار ويدخلني الجنة.
قال اسمع ثم افهم ثم استيقن قامت الدنيا بثلاث بعالم ناطق مستعمل لعلمه وبغني لا يبخل بماله على دين الله وبفقير صابر فإذا كتم العالم علمه وبخل الغني بماله ولم يصبر الفقير على فقره فعندها الويل والثبور وكادت الأرض أن ترجع إلى الكفر بعد الإيمان.
أيها السائل لا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم متفرقة فإنما الناس
__________________
(١) الرعد ـ ٣٩.
(٢) مر جوابه عليهالسلام لسائل سأله السؤال نفسه فقال : لم أك بالذي أعبد من لم أره ... الخ » فراجعه.