يصير الليل نهارا والنهار ليلا اضطرا والله يا أخا أهل مصر.
إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم وإن كان يردهم فلم يذهب بهم أما ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقط السماء على الأرض ولا تنحدر الأرض فوق ما تحتها أمسكها والله خالقها ومدبرها.
قال فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله فقال هشام [ لهشام ] خذه إليك وعلمه.
عن عيسى بن يونس (١) قال كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟
قال إن صاحبي كان مخلطا يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر فما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه فقدم مكة متمردا وإنكارا على من يحجه وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه وفساد ضميره فأتى أبا عبد الله عليهالسلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه فقال :
يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام فقال تكلم.
فقال إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبو أسه ونظامه!
فقال أبو عبد الله إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته جعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء ذكرت الله فأحلت على الغائب؟
فقال أبو عبد الله ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب ( مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم؟!
فقال ابن أبي العوجاء فهو في كل مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟
فقال أبو عبد الله عليهالسلام إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه
__________________
(١) عيسى بن يونس ذكره الشيخ في رجاله ص ٢٥٨ في أصحاب الصادق « عليهالسلام » وفي أصحاب الكاظم عليهالسلام ص ٣٥٥ فقال :
عيسى بن يونس بزرج له كتاب