كان معه فإن ذلك الشيء قديم والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى ـ؟ ومن أين جاء الموت ـ؟ إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء حيا؟ ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيا ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء.
قال فمن أين قالوا إن الأشياء أزلية؟ قال هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم والأنبياء وما أنبئوا عنه وسموا كتبهم أساطير ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان وموت وبلى واضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعا ومدبرا ألا ترى الحلو يصير حامضا والعذب مرا والجديد باليا وكل إلى تغير وفناء؟!
قال فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث ـ التي أحدثها قبل أن يحدثها؟
قال فلم يزل يعلم فخلق ما علم قال أمختلف هو أم مؤتلف؟
قال لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنما يختلف المتجزي ويأتلف المتبعض فلا يقال له مؤتلف ولا مختلف.
قال فكيف هو الله الواحد قال واحد في ذاته فلا واحد كواحد لأن ما سواه من الواحد متجزئ وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى ولا يقع عليه العد.
قال فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ولا يليق به التعبث بنا؟
قال خلقهم لإظهار حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره.
قال وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه ومحتبس عقابه؟
قال إن هذه الدار دار ابتلاء ومتجر الثواب ومكتسب الرحمة ملئت آفات وطبقت شهوات ليختبر فيها عبيده بالطاعة فلا يكون دار عمل دار جزاء.
قال أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا وقد كان ولا عدو له فخلق كما زعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته ويأمرهم بمعصيته وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم ـ ويلبس عليهم دينهم فيزيلهم عن معرفته حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته وعبدوا سواه فلم سلط عدوه على عبيده وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟
قال إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته ولا تنفعه ولايته وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا وولايته لا تزيد فيه شيئا وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع إن هم بملك أخذه أو بسلطان قهره فأما