إبليس لعنه الله ولم يبن دين الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلىاللهعليهوآله صوابا ومن دونه خطأ لأن الله تعالى قال ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) (١) ولم يقل ذلك لغيره وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ولو لا أن يقال دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيء ما سألتك عن شيء فقس إن كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
قال كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر
وعن عيسى بن عبد الله القرشي (٢) قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليهالسلام فقال يا أبا حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال نعم.
فقال لا تقس فإن أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فقاس بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.
وعن الحسن بن محبوب (٣) عن سماعة قال : قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليهالسلام كم بين المشرق والمغرب؟
قال مسيرة يوم للشمس بل أقل من ذلك قال فاستعظمه.
قال يا عاجز لم تنكر هذا إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب في أقل من يوم تمام الخبر.
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٤) كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم وأناس من رؤسائهم وذلك أنه حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم فتكلموا فأكثروا وخطبوا فأطالوا.
فقال لهم أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام إنكم قد أكثرتم علي فأطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز.
فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال :
__________________
(١) المائدة ـ ٥١.
(٢) عيسى بن عبد الله القرشي لم أعثر له على ترجمة فيما بين يدي من كتب الرجال.
(٣) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته : الحسن بن محبوب السراد ويقال الزراد ، يكنى أبا علي مولى بجيلة كوفي ثقة عين ، روى عن الرضا « عليهالسلام » وكان جليل القدر يعد في الأركان الأربعة في عصره.
(٤) عبد الكريم بن عتبة قال العلامة في القسم الأول من الخلاصة ـ بضم العين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين ، والباء المنقطة تحتها نقطة ـ الهاشمي من أصحاب أبي الحسن الكاظم « عليهالسلام » ثقة.