فقال الرضا عليهالسلام همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق عليهالسلام أنه قال همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل.
فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن ـ فأخبرني عن قول الله عز وجل ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) الآية (١)؟
فقال الرضا عليهالسلام ذلك يونس بن متى ( ذَهَبَ مُغاضِباً ) لقومه ( فَظَنَ ) بمعنى استيقن ( أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) أي فضيق [ لن نضيق ] عليه رزقه ومنه قوله عز وجل ( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (٢) أي ضيق وقتر ( فَنادى فِي الظُّلُماتِ ) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ، ( أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) بتركي العبادة التي قد قرت عيني بها في بطن الحوت فاستجاب الله له وقال عز وجل ( فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٣).
فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن أخبرني عن قول الله عز وجل ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا ) (٤).
قال الرضا عليهالسلام يقول الله ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ) من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا.
فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله : ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (٥)؟
قال الرضا عليهالسلام لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ) (٦) فلما فتح الله عز وجل على نبيه مكة قال له يا محمد ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (٧) عند مشركي أهل مكة بدعائك إياهم إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعى الناس إليه فصار ذنبه عندهم مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) (٨).
__________________
(١) الأنبياء ـ ٨٧.
(٢) الفجر ـ ١٦.
(٣) الصافات. ١٤٤.
(٤) يوسف ـ ١١٠.
(٥) الفتح ـ ١.
(٦) ص ـ ٥ و ٦ و ٧.
(٧) الفتح : ١.
(٨) التوبة : ٤٤.