قال فما زال ابن السكيت يقول له والله ما رأيت مثلك قط فما الحجة على الخلق اليوم؟
فقال عليهالسلام العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه.
فقال ابن السكيت هذا والله هو الجواب قد ضمن الرضا عليهالسلام في كلامه هذا أن العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل الله يلتجئ المكلف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى يتوصل المكلف إلى معرفته بالعقل ولولاه لما عرف الصادق من الكاذب فهو حجة الله تعالى على الخلق أولا.
وعن القاسم بن مسلم (١) عن أخيه عبد العزيز بن مسلم (٢) قال :
كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليهالسلام بمرو فاجتمعنا في جامعها في يوم جمعة في بدو قدومنا فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ـ فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليهالسلام فأعلمته ما خاض الناس فيه فتبسم ثم قال :
يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا من أديانهم إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه صلىاللهعليهوآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز وجل ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (٣) وأنزل في حجة الوداع وهو آخر عمره : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (٤) فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض صلىاللهعليهوآله حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبيله وتركهم على قصد الحق أقام لهم عليا عليهالسلام علما وإماماً وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل ومن رد كتاب الله فهو كافر.
هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟؟
إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم فيقيموها باختيارهم.
إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه الله بها فأشاد بها ذكره فقال عز وجل ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) (٥) فقال الخليل سرورا بها ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) (٦)؟ قال الله عز وجل ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٧) ـ فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله عز وجل بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال تعالى ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ
__________________
(١) القسم بن مسلم : مجهول.
(٢) عبد العزيز بن مسلم : ذكره الشيخ في أصحاب الرضا عليهالسلام ص ٣٨٣ من رجاله.
(٣) الأنعام ـ ٣٨.
(٤) المائدة ـ ٤
(٥ ـ ٦ ـ ٧) البقرة ـ ١٢٤