فنظروا إلى عبد قد اختصه الله بقدرة ليبين بها فضله عنده وآثره بكرامته ليوجب بها حجته على خلقه وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته وباعثا على اتباع أمره ومؤمنا عباده المكلفين من غلط من نصبه عليهم حجة ولهم قدوة فكانوا كطلاب ملك من ملوك الدنيا ينتجعون فضله ويؤملون نائله ويرجون التفيؤ بظله والانتعاش بمعروفه والانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على طلب الدنيا ـ وينقذهم من التعرض لدني المكاسب وخسيس المطالب فبينا هم يسألون عن طريق الملك ليترصدوه وقد وجهوا الرغبة نحوه وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل لهم سيطلع عليكم في جيوشه ومواكبه وخيله ورجله فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقه ومن الإقرار بالمملكة واجبه وإياكم أن تسموا باسمه غيره أو تعظموا سواه كتعظيمه فتكونوا قد بخستم الملك حقه وأزريتم عليه واستحققتم بذلك منه عظيم عقوبته فقالوا نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك ـ في خيل قد ضمها إليه سيده ورجل قد جعلهم في جملته وأموال قد حباه بها فنظر هؤلاء وهم للملك طالبون فاستكثروا ما رأوه بهذا العبد من نعم سيده ورفعوه أن يكون هو من المنعم عليه بما وجدوا معه.
فأقبلوا يحيونه تحية الملك ويسمونه باسمه ويجحدون أن يكون فوقه ملك وله مالك فأقبل عليهم العبد المنعم عليه وسائر جنوده بالزجر والنهي عن ذلك والبراءة مما يسمونه به ويخبرونهم بأن الملك هو الذي أنعم بهذا عليه واختصه به وأن قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخط الملك وعذابه ويفوتكم كل ما أملتموه من جهته وأقبل هؤلاء القوم يكذبونهم ويردون عليهم قولهم فما زالوا كذلك حتى غضب الملك لما وجد هؤلاء قد سووا به عبده وأزروا عليه في مملكته وبخسوه حق تعظيمه فحشرهم أجمعين إلى حبسه ووكل بهم ( مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ).
فكذلك هؤلاء لما وجدوا أمير المؤمنين عبدا أكرمه الله ليبين فضله ويقيم حجته فصغروا عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا له عبدا وأكبروا عليا عن أن يكون الله عز وجل له ربا فسموا بغير اسمه فنهاهم هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته وقالوا لهم يا هؤلاء إن عليا وولده ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ ) مخلوقون ومدبرون ـ لا يقدرون إلا على ما أقدرهم عليه الله رب العالمين ولا يملكون إلا ما ملكهم ولا يملكون ( مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً ) ولا قبضا ولا بسطا ولا حركة ولا سكونا إلا ما أقدرهم عليه وطوقهم وإن ربهم وخالقهم يجل عن صفات المحدثين ويتعالى عن نعت المحدودين وإن من اتخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون الله فهو من الكافرين وقد ( ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ).
فأبى القوم إلا جماحا وامتدوا ( فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* ) فبطلت أمانيهم وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب
وروينا أيضا بالإسناد المقدم ذكره عن أبي محمد العسكري عليهالسلام أن أبا الحسن الرضا عليهالسلام قال :
إن من تجاوز بأمير المؤمنين عليهالسلام العبودية فهو من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ومن الضَّالِّينَ.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا تتجاوزوا بنا العبودية ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإياكم والغلو كغلو النصارى فإني بريء من الغالين.