والشهود والسفاد والحدب على أولادها وإقامة بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمغاور والأودية والقفار وعلمنا بذلك أن خالقها لطيف بلا كيف إذ الكيف للمخلوق المكيف وكذلك سمينا ربنا قويا بلا قوة البطش المعروف من الخلق ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه واحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ـ وما كان ناقصا كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزا فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيفية ولا نهاية ولا تصاريف محرم على القلوب أن تحتمله وعلى الأوهام أن تحده وعلى الضمائر أن تصوره جل وعز عن أداة خلقه وسمات بريته تعالى عن ذلك علوا كبيرا
عن الريان بن شبيب (١) قال : لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهالسلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك واستنكروا منه وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليهالسلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليهالسلام فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله وينتزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليهالسلام ما عملت وكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا عليهالسلام واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم وأعوذ بالله من ذلك وو الله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى ( وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ).
وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والأعجوبة فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت.
فقالوا إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.
قالوا لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في حقه وظهر للخاصة والعامة
__________________
(١) قال العلامة الحلي رحمهالله في القسم الأول من خلاصته ص ٧٠ « الريان بن شبيب ـ بالشين المعجمة وبعدها باء منقطة ـ خال المعتصم ، ثقة ».