يا رسول الله أتخلفني على النساء والصبيان؟
فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (١) فعلمنا أن الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار وتحقيق هذه الشواهد فلزم الأمة الإقرار بها إذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن ووافق القرآن هذه الأخبار ـ فلما وجدنا ذلك موافقا لكتاب الله ووجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد والفساد.
ثم قال عليهالسلام ومرادنا وقصدنا الكلام في الجبر والتفويض وشرحهما وبيانهما وإنما قدمنا ما قدمنا ليكون اتفاق الكتاب والخبر إذا اتفقا دليلا لما أردناه وقوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء الله.
فقال الجبر والتفويض يقول الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام عند ما سئل عن ذلك فقال لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.
قيل فما ذا يا ابن رسول الله؟
فقال صحة العقل وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد قبل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة أشياء فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه وأنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة وهي الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث من شرحه ويشهد به القرآن بمحكم آياته ويحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله العصمة والتوفيق.
ثم قال عليهالسلام فأما الجبر فهو قول من زعم أن الله عز وجل جبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله وكذبه ورد عليه قوله ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (٢) وقوله جل ذكره ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٣) مع آي كثيرة في مثل هذا فمن زعم أنه مجبور على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وظلمه في عظمته له ومن ظلم ربه فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه لزمه الكفر بإجماع الأمة فالمثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك إلا نفسه ولا يملك عرضا من عروض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن وقد وصف به مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة يعاقبه فلما صار العبد إلى السوق وحاول أخذ الحاجة التي بعثه بها وجد عليها مانعا يمنعه منها إلا بالثمن ولا يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة فاغتاظ مولاه لذلك وعاقبه على ذلك فإنه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب نفسه أليس يجب أن لا يعاقبه والكذب والظلم ينفيان العدل والحكمة تعالى الله عما يقول المجبرة علوا كبيرا.
__________________
(١) راجع هامش الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٢) الكهف ـ ٥٠.
(٣) الحج ـ ١٠.