يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدت المحنة فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك فاطمة الزهراء وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك وأبيك وعلى الأئمة من بعدهما آبائك وأن يصلي عليك وعلى ولدك ونرغب إليه أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال فلما قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليهالسلام حتى استهملت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال :
يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله في صدرك هذا فخر أحمد مغشيا عليه فلما أفاق قال :
سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال :
خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فإنك لن تعدم ما سألت والله ( لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).
قال سعد فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليهالسلام من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها ثم قال تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد إلى مرقده.
قال سعد فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد وهو يقول أحسن الله بالخير عزاكم ـ وختم بالمحبوب رؤيتكم قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله.
وعن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري ره (١) قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من
__________________
(١) هو عثمان بن سعيد العمري ـ بفتح العين وسكون الميم ـ أول النواب الأربعة يكنى أبا عمرو السمان ويقال له الزيات ، والعسكري ، ذكره الشيخ الطوسي في عداد أصحاب الهادي عليهالسلام ص ٤٢٠ وقال : « .. خدمه عليهالسلام وله إحدى عشر سنة ، وله إليه عهد معروف » وفي أصحاب العسكري ص ٤٣٤ وقال : « .. جليل القدر ثقة وكيله عليهالسلام » وفي كتاب الغيبة ص ٢١٤ قال : « فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة ، فأولهم : من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهمالسلام وهو الشيخ الموثوق به : أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وكان أسديا وإنما سمي العمري لما رواه أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب أنه ابن بنت أبي جعفر العمري ـ رحمهالله ـ قال أبو نصر كان أسديا فنسب إلى جده فقيل العمري. وقد قال قوم من الشيعة : إن أبا محمد الحسن بن علي عليهالسلام قال : لا يجتمع على امرئ بين عثمان وأبي عمرو فأمر بكسر كنيته فقيل العمري ، إلى أن قال : ويقال له : ( السمان ) لأنه كان يتجر في السمن تغطية على الأمر ، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليهالسلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد عليهالسلام تقية وخوفا » وقال العلامة في القسم الأول من خلاصته ص ١١٦ : « .. ويقال له : الزيات الأسدي من أصحاب ابي جعفر محمد بن علي الثاني عليهماالسلام خدمه وله إحدى عشر سنة ، وله إليه عهد معروف ، وهو ثقة جليل القدر وكيل أبي محمد عليهالسلام » وفي ج ٢ من سفينة البحار ص ١٥٨ « أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري اول النواب الأربعة ، ما ورد في شأنه من الجلالة والعدالة والأمانة أكثر من أن ـ